21 مايو 2010

مابعد اللامنتمي | كولن ولسون


" إن علينا أن نعرف، أن هناك نوع أسمى من الوجود، وأسمى من الانششغال المحض في الأشياء اليومية.ماذا تعني اللأصالة؟
الى حد ما، يقع اللوم على اللغة، فهي تهترئ، وتنشر (اللاحقيقة) ثم تسبب للإنسان نسيان الوجود الحقيقي للأشياء التي تعبر عنها، والانسان يقع في (اللأصالة) عن طريق بدعة مبتكرة خلقها بنفسه، انها المجتمع.
وهنا يرتبط تحليل (هيدجر) مع كتاب (دايفيد رايسمان) المسمّى (الحشد الوحيد) مع أن انقياد (رايسمان) غير أصيل أيضاً، إذ أن (اتجاهه الداخلي) أصيل فقط. عندما حلل هيدجر اللغة والمجتمع، جعلنا نشعر،  دون شك، بأنها كانت الانشغال القاعدي لتفكيره:
تهاوت اللغة الى الحديث اليومي، الى تجاذب أطراف الحديث، إلى الثرثرة الفارغة حول الاخرين، فاستعمال الإنسان عقله لمعرفة محتويات أخر الكتب الي صدرت، ويكون ذلك من (المراجعات)  ثم يلقي  بثقافته اللغوية في اللعبة الاجتماعية، في المجتمع. أما المحاولة الواعية، أو المناقشات الجدية للانطلاق من إطار اللغة الميتة، إلى لغة دالة، فيعتبر ذوقاً منحرفاً، وقد مرت أيام على (هيدجر) كتب فيها مقالات جادة عن كتب (ستيفن بوتر) التي تبحث في الإنسانية الواحدة.
ويمكن استعمال مقالاته هذه كتوضيحات مثالية لفكرة (الوجود غير الأصيل).
السؤال الآن: كيف يتسنى للإنسان أن يفر من (اللاأصالة) ؟.
هناك سبيلان:
على الانسان أن يعيش ملتصقاً بوجه الموت و عالماً بأنه الضرورة الأخيرة
و قد أوضح رجل آخر اسمه (جاردجف) الأمر بقوله:
(إن الإنسان يستطيع الهرب من الانحطاطية إذا امتلك عضواً ينبئه دوماً عن موعد موته.)
ويذهب (هيدجر) بعيداً في فكرته هذه، حتى يتجاوز الفكرة الانجيلية (متذكراً آخر الأشياء)، ويتابع فكرة (نيتشه) عن القبول الفعال للموت، راغباً فيه كقدر الإنسان النهائي (حب القدر).
أما السبيل الثاني للهرب من (اللاأصالة) فقد خصص له (هيدجر) كل أعماله منذ (الوجود والزمن):
إن الشعر والخرافة بوسعهما تقريب الإنسان من مملكة الوجود الصافي. وقد أعجب (هيدجر) بشعر (هولدرين) إعجاباً عنيفاً، حتّى أنّه نشر عنه عدة مقالات، و(هيدجر) من الذين يطالعون الشعر ويتذوقونه، حتى انه ينسى وجوده خلال ترديده لإبيات القصيدة.
لقد قال الاغريقيون: (أن البديل الخلاق للعالم الحقيقي المشوش، هو عالم الأفكار.)
وآمن (هيدجر) (بأن البديل الخلاق للعالم الحقيقي المشوش، هو مملكة الشعر والروح. )
لقد آمن بالفكرة الأساسية التي كان يضعها (هولدرلين) في شعره، وهي الصراع بين (العالم والقدس)، وقد رمز (هيدجر) إلى (القدس) بآلهة الاغريق، ويبدو لي أنه يعني ما عناه (هوسرل) بـ (الأصول)، الحافظة لمفتاح الوجود، و هكذا أخذ الخلاف بين (هيدجر وهوسرل) يختفي إلى حد ما، حين يدرس واحدنا أعمالهما الأخيرة.
لن أكون على حق، إذا قلت بأن نظرة (هيدجر) النهائية للوجود، هي التشاؤم رغم أن فكرته عن (الوجود تجاه الموت) سيطرت على فلسفته، فقد كانت نظرته الى الموت (اجتماعية) أكثر منها تشاؤمية، وايمانه العميق بأن الشعر هو الانفتاح الخلاق للأصالة، هو النغمة الحوة من التفاؤل التي تتدفق من فلسفة ملتزمة ببصيرته الأصيلة:
إن السبب الأساسي للانحطاط والتدهور، والأزمات التاريخية، هو نسيان الوجود.
وسوف أبحث هذا، عند تحليلي لسارتر.
ثمة اعتراض أساسي على أعمال (هيدجر)، وهو ينطبق أيضاً على كيركيغارد ومرسيل، وجسبر، وسارتر، فاللغة كما بين (هيدجر) تميل إلى إشاعة جو الغموض عى الوجود (أو الحقيقة) وهذا صحيح فيما يتعلق بلغة العلم والفلسفة المجردة . وهذا يدعوني للقول:
إذن، فمن المناقضة، الحديث عن (فلسفة الوجود).
احياناً، يأتي التربويون بتلميذ ما، ويدحرجونه فوق درجات سلم صغير، ليطلقوا عقله من ارتباطه بأفكار معينة، ولكي يمرنوا عقله على التقاط روح الواقع. لهذا يمكن القول بأن الفيلسوف الذي يحاول (تمزيق القناع عن الوجود) يشبه رجلا يقوم بحفر حفرة، ويقذف بالتراب من وراء ظهره، ليعود التراب مرة ثانية إلى الحفرة دون أن يدري.
و رب قطعة موسيقية أو لوحة فنية توصل روح الواقعية بطريقة أروع وأفضل من نظرة فلسفية،ورب مسرحية ناجحة أو قصة قصيرة، أو رواية تجعلنا نقبض على الأصالة، دون التعمق في دراسة فلسفة، لغتها مجردة غامضة لن يقدر العقل على هضمها .
لكن هذا ليس بالإعتراض الأخير. إذ أن الفكرة ليست (بالضرورة) نقيض الواقعيه. فالعقل الخلاق يستطيع تدريب ذاته لإستيعاب الأفكار. دون أن يثلم احساسه بالوجود . غير أن علي القول بأن تعشق (هيدجر) لكلمات ألمانية معينة تتألف من عشرة حروف، أصاب فلسفته بثلم، أبعد الناس عن قراءته ما عدا أصحاب العقول القوية."
* مقتطف من الفصل الرابع (هيدجر وسارتر) السؤال عن الوجود / (مابعد اللامنتمي) كولن ولسون - ترجمة يوسف شرورو وعمر يمق / دار الآداب 
خاص بالمسيرة الإلكتروني